يظن كثير من الناس أن اللغة المصرية القديمة ، سواء أكانت الهيروغليفية أم القبطية ،قد اندثرت تماما و ذهبت دون أن تترك لها أثرا ،و لكننا نقول كلا ثم كلا ، فهناك مئات الألفاظ بل جملا كاملة ما تزال مستعملة كل يوم فى لغتنا العامية أصلها مصرى قديم .و هذه الجمل و الألفاظ و التعبيرات المصرية القديمة قد استمرت ، شأنها فى ذلك شأن العادات القديمة ، منبثة بيننا يتناقلها الخلف عن السلف من جيل الى جيل حتى وصلت الينا تراثا قديما يذكرنا باجدادنا العظام.
ما يكاد المولود لدينا يرى نور الحياة حتى يسمع أمه تخاطبه بلغة غريبة عنه ، ولكنهافى الوقت نفسه أقرب ما يكون الى حسه وفهمه ، فهو اذا جاع قالت له أمه (مم) و اذا عطش قالت له (امبو) فهل تصور أحد أن هاتين الكلمتين قبطيتان أخذتا بدورهما عن اللغة المصرية القديمة ، فكلمة (مم) مأخوذة عن القبطية (موم) والهيروغليفية (أونم) بمعنى كل ،و (أمبو)عن كلمة (امبو) القبطية بمعنى اشرب ، فاذا أحس الطفل بألم سألته أمه فى حنان و عطف عن مكان الوجع فقالت (واوا)فكلمة واوا هى بجميع حروفها هيروغليفية معناها ألم أو وجع أو ورم .
واذا أرادت أن تنهره عن فعل شئ كريه قالت له (كخه) أو (كخ) وهى كلمة قديمة معناها قذارة أما اذا اشتد الطفل و نما و أرادت أن تعلم (اسم النبى حارسه )طفلها المشى فانها تقول له (تاتا خطى العتبة )، فما هى كلمة تاتا ؟ هى أيضاالكلمة الهيروغليفية تاتا و معناها امش .
فاذا أرادت الأم تخويف طفلها قالت له (أجيب لك البعبع )..فكلمة بعبع هى كلمة القبطية (بوبو)و هو اسم عفريت مصرى استعمل فى العزائم السحرية و اتخذوه لتخويف الأطفال و صوروه بهيئة بشعة و مخيفة جدا .
أما فى أطعمتنا الوطنية المصنوعة من الفول فما يزال على الأقل صنفان منهما محتفظين باسمها القديم أولهما (المدمس) و اسمه القديم (متمس) و الثانى (البيصارة) و اسمها القديم (بيصورو) ومعناه الفول المطبوخ .
و من الممتع حقا أن نعرف أصل عبارة ((كانى ... مانى)) التى نستعملها كل يوم فى مختلف المناسبات فنحن نقول مثلا ((و بعدين يا سيدى قعد يقوللى كانى مانى ...) فلفظتا كانى ومانى ليستا عربيتين و انما أصلهما قبطى ومعناهما سمن وعسل .
أما اذا تشرف المنزل العامر في يوم ما بزوار ظرفاء فاننا نستبقيهم للغذاء وعندما ينتهون فاننا لا نسمح لهم بالخروج لان الدنيا ((صهد)) ونرجوهم الا يخرجوا، وهنا نكون قد استعملنا كلمة هي ((صهد)) من اصل قديم ومعناها نار او لهيب.
ولنفترض أننا دعونا مجموعة من الناس ثم اعددنا لهم مائدة شهية تضم بين جنباتها كل ما لذا وطاب من المآ كل والمشارب . فلا شكأنهم -وخاصة فى هذه الأزمة الخانقة -ينزلون على اللحمة (حتتك بتتك ) و الواقع أنها تتكون من لفظتين قبطيتين و هيروغليفيتين هما (حات) قلب أو صدر و تعنى جلد فى المعنى المجازى و (بات) ضلوع أو عظم فيكون المعنى أنهم أكلوا اللحمة كلها مع العظم و لم يبق منهم شئ قط .
من هذا كله يتضح لنا كم من مئات الألفاظ و التعبيرات العامية التى تجرى على ألسنتنا كل يوم ترجع الى أصل مصرى قديم